من المحتمل أنك سمعت الكثير عن العراق، وعن جورج بوش، وديك تشيني والنفط والدمار الشامل. قصتنا اليوم لها طاقم خاص, طاقم من ثلاثة رجال دمروا العراق.
الأول، بيل كلينتون والثاني، بول بريمر والأخير، ويليام ديبوي. قصتنا ليست شاملة, لكنها جزء بالغ الأهمية يعود إلى السبعينيات. وهذه القصة أفسحت الطريق أمام انتشار العنف والفقر المتفشي وعدم الاستقرار السياسي المستمرفي العراق. وكيف أدت محاولة تشكيل حكومة (“ديموقراطية تراعي حقوق الإنسان”) إلى أعمق معاناة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. إنها قصة كذبة الديمقراطية في العراق , قصة مختلفة تماماً عن تلك التي سمعتنها من قبل.
يبدأ الأمر بالعقيدة العسكرية: وهو أمر بالغ الأهمية لفهم حرب العراق. فالقوة التي فازت في الحرب العالمية الثانية وأعادت تشكيل السياسة العالمية عاشت هزيمة نكراء على يد قوات الميليشيا الفيتنامية. لذلك تم تكليف ويليام ديبوي بمسؤولية مراجعة العقيدة العسكرية الأمريكية. وبحلول عام ١٩٧٣, كان ديبوي يراقب باهتمام الجيش الإسرائيلي في حربه ضد العرب وما رآه هو أن المستويين التقليديين للحرب قد انتهىيا. فالاستراتيجية، والأهداف الأوسع للحرب ووسائل تحقيقها، والتكتيكات، وكيفية كسب الاشتباكات الفردية، لم تعد تعكس حقائق الحرب الحديثة، حيث طورت الجيوش أسلحة قوية بشكل متزايد ذات مدى أكبر من أي وقت مضى. وسرعان ما أدت ملاحظات ديبوي إلى ظهور مفهوم جديد من الحرب: سرعة الحملات العسكرية. وفي التسعينيات، تذوق صدام للمرة الأولى هذه العقيدة العسكرية الجديدة في حرب الخليج الأولى، عندما قامت أميركا وحلفاؤها بطرد القوات العراقية من الكويت في غضون أيام. ففي حين كان للتحالف هدف استراتيجي معقد سياسياً، ألا وهو تغيير النظام في العراق، أصبحت أميركا، التي يطاردها شبح فيتنام، مهووسة بتدمير قدرات العراق القتالية، وبسرعة. وفي غضون أسابيع، أطلقت القوات الأمريكية عشرات الآلاف من القنابل فذابت كل مظاهر الدولة العراقية أمام المذبحة.
عدى ذلك, فكسر النظام العراقي ، مهد الطريق لهزيمة سياسية مدمرة ستصبح واضحة قريبا.
لم تكن العقيدة العسكرية الجديدة اللامعة هي التي حطمت الدولة العراقية فحسب، فالهجوم بدأ قبل عام ٢٠٠٣ بفترة طويلة. فبعد حرب الخليج الأولى، صوتت الأمم المتحدة لصالح تنفيذ حزمة عقوبات ضخمة ضد العراق، وهي الأكبر على الإطلاق في تاريخها. صوتت الصين والاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة لصالح هذا الاقتراح. هل يمكن لأحد تخيل هذا اليوم؟ على أية حال، في عهد الرئيس جورج بوش الأب، التزمت الولايات المتحدة إلى حد كبير بهدف عقوبات الأمم المتحدة، وإقناع صدام بالامتثال للشروط وتفكيك عدد من برامج الأسلحة العراقية. وحتى بعد تفكيك برامج الأسلحة العراقية إلى حد كبير، وتحقيق الامتثال بشكل أساسي، واصل كلينتون الضغط من أجل فرض العقوبات، مما كان له تأثير مدمر على الدولة
العراقية. ومع منع العراق من تصدير منتجه الرئيسي الوحيد، انهار الاقتصاد النفطي. ولم يعد الامتثال هو الهدف. وعلى حد تعبير مادلين أولبرايت، وزيرة خارجية كلينتون: “نحن نتحدث عن تغيير النظام”. وبفضل العقوبات، كان النظام يتغير، ولكن بالطريقة التي كانت تقصدها أولبرايت. حتى وقت قريب، كان العراق نظامًا استبداديًا من أعلى إلى أسفل، لكن الحصار والانهيار الاقتصادي حوله إلى شبكة من المحسوبية والفساد. ومع تضاؤل قدورات الدولة، تحولت وظائفها العادية إلى معاملات في السوق السوداء. باختصار، أصبحت الدولة العراقية ظل لذاتها السابقة. و كانت التقاريرتفيد بأن الوفيات تتضاعف بسبب الجوع والمرض بشكل كبير. وفي تسعينيات القرن العشرين، ومع وفاة مئات الآلاف من الأطفال بسبب عدم قدرة قطاع الصحة العامة على التعامل مع الأمر، أجابت أولبرايت: “نعتقد أن الثمن يستحق العناء”. بحلول عام ٢٠٠٣, انهار نظام صدام. وانتشر العنف والنهب كالنار في الهشيم، مما ترك المدنيين العراقيين مرعوبين و ضعفاء. كان على التحالف أن يفرض النظام، لذلك قاموا بإحضار جاي غارنر, وهو رجل عسكري محترف، لكن تفويضه كان محدود: وقف العنف، ومعاقبة كباررجال صدام، وإجراء الانتخابات ثم الرحيل.
وعلى حد تعبيره: “ما يتعين علينا القيام به هو تشكيل حكومة عراقية تمثل إرادة الشعب المنتخبة بحرية. إنها بلادهم… نفطهم”. ما أحرج الإدارة الأميركية. وسرعان ما خرج غارنر. وتولى مكانه على رأس الحكومة المؤقتة للائتلاف لويس بول بريمر ٣. هذا الرجل, كان لديه رؤية التطهير السياسي. فبدأها بطرد خمسين ألف شخص من القطاع العام وجدوا نفسهم في الشوارع. بعد ذلك بوقت قصير التقى بريمر بالرئيس بوش ليطلب الإذن بتوسيع حملة التطهير، وأراد حل القوات العراقية على الرغم من أن هذا يتناقض مع خطة البنتاغون الأصلية للعراق، وأخبر بوش بريمر أن هذه كانت مهمته. و بشطبة قلم، جعل أربعة مئة ألف رجل، سواء من الشباب الأصحاء أو المسنين المخضرمين، المدربين على مواجهة العنف والعديد منهم مسلح، عاطلين عن العمل فإزدهرت الميليشيات وانتشر العنف.
وبحلول عام ٢٠٠٧, وبعد أربع سنوات من الفوضى والرعب على نطاق واسع في جميع أنحاء العراق، قررت إدارة بوش أن الوقت قد حان لتغيير شيء ما؛ لقد حان الوقت للأنزال. جلب الأنزال١٧٠ ألف جندي. ومع ذلك، كان العدد أقل من المستوى الأمثل، لكن العنف انخفض بشكل حاد، حيث تم سحق الميليشيات التي كانت تشكل تهديدًا يوميأ خاصةً للقوات الأميركية.
وبحلول عام ٢٠١١, ” تم إنجاز المهمة” ، فقامت القوات الأمريكية بالإجلاء “الذي تأخر كثيرًا”. لكن بناء دولة “دمقراطية” كان مجرد ضمادة، وقشرة من الاستقرار تم لصقها على ما تبقى، بفضل عقوبات بيل كلينتون، عقيدة ويليام ديبوي العسكرية ، وعدم كفاءة بول بريمر فكانت النتيجة مخزية ف”الدولة” تكاد لا تكون موجودة.
وفي غضون سنوات قليلة من رحيل أمريكا، عاد تنظيم داعش إلى الحياة في العراق. وكان الرد العسكري العراقي بمثابة كارثة تامة. لقد تبين أن عشرات الآلاف من القوات العراقية كانوا “جنوداً أشباحاً”، وهي أسماء مدرجة في جداول رواتب الجيش ولا شيء أكثر من ذلك. ليس من الواضح أين ذهبت رواتب هؤلاء الجنود غير الموجودين ، لكنها كانت رمزًا عما كان يحصل. وسرعان ما عادت أميركا لتفعل ما عجز العراق، بفضل أميركا، عن القيام به. لكن ليس الجيش العراقي وحده هو الذي عانى من الفوضى فالعراق حتى يومنا هذا ممزقاً بالمحسوبية، والفساد، والكارتلات الاقتصادية، والشعور السائد بأن الدولة فارغة ولا معنى لها، لأسباب ليس أقلها أن أولئك الذين يتم انتخابهم إما عاجزون أو يحصلون على أموال.
العراق لا يستطيع، ولن يستطيع، توفير الأمن لأن العراق يفتقر الدولة. وهؤلاء الرجال، كانوا مهندسي الفوضى، والفوضى ليست تربة خصبة لأي سياسة منظمة، ناهيك عن الديمقراطية. وبالمختصر المفيد, ولكل عربييٍ في هذا الشرق, أن ما حصل في العراق هو حلقة من سيناريو, وضعه الغرب. ورغم انه, وفي كل مرة يتككر بكل تفاصيله حتى الصغيرة منها (في ليبيا ثم السودان فسوريا ثم اليمن ويا خوفي أن يكون لبنان المحطة التالية للمشروع الشيطاني), فنحن لم نتعلم ولم نتعظ ولن نتعظ مادمنا منقسمين.
Pretty nice post. I just stumbled upon your blog and wanted to say that I’ve truly enjoyed surfing around your blog posts. In any case I’ll be subscribing to your feed and I hope you write again very soon!