عندما ذهبت للقاء المسؤول عن قسم الفنون الجميلة في وزارة الثقافة , توقعت أن ألتقي شخصاً بغيضاً, ثقيل الظل, لئيماً دميم الخلق . لكن كم كانت مفاجأتي عظيمةً لحظة التقيت ديما رعد,الرسامة المحترفة وأساتذة الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية ورئيسة قسم الفنون الجميلة في وزارة الثقافة. هي شخص ودود جداً,
منفتح يتقن فن الإصغاء, لا تفارق الابتسامة وجهها الجميل. ومنذ ذلك الحين أصبحنا أصدقاء. طلبت منها موعداً لإجراء مقابلةٍ معها. إستقبلتني في شقتها حيث يسود جوٌ من السكينة والسحر وتخيلت نفسي ادخل الى احد تلك الأماكن الخرافية, التي كانت أمي تروي لي قصتها. جلسنا ودردشنا وأرتني بعضاً من لوحاتها ومنها لوحات كانت قد رسمتها في أعقاب حرب تموز 2006 التي دمرت لبنان وخاصة منطقة الجنوب :لوحات تصف الدمار الهائل في المباني ، والقرى الممزقة ، والأرض المحروقة ، والجثث المشوهة. في كل أعمالها توضح ديما ألماً وفزعاً هائلين ينعكسان على وجوه المواطنين.
تضمنت أعمالها الفنية تلك, دراما شخصية كصرخةٍ مدويةٍ تصفع الضمائروتلهب الألباب ويهتز لها كل كيان .هكذا بدت المأساة التي تأصلت فيها نتيجة الحرب الدامية التي دمرت البلاد. تعبيرها عفوي محض في خط الفنانين البصريين حيث أن العمل يولد من رؤية داخلية. هي تهتم بشكل خاص بالناس والتعابير المرسومة على وجوههم. وشخصياتها ، المخيمة في خضم المساحات العارية ، تتفتق عن جروح عميقة و قساوة واضحة درامية تلفت الأنظار. تلك الشخصيات تواجهنا بنظرها, جاذبة أنظارنا لا محال. فما من شيء يحول بيننا وبينها أو يصرف انتباهنا, ما يشبه صوت الضمير يعاقبنا ولا يتلاشى .ونلاحظ أيضاً جدلية بين الحضور الموضوعي للعناصر التي تشكلها كل صورة وإمكانياتها الرمزية .من خلال كل صورة تستشف صوراً لابل ظروفاً و تغييرات ذات صفات محددة وبأسلوب تتداخل خطوط تلك الصورة فيما بينها إلى ما لا نهاية لتشكل صوراً في صورة ، والاختلافات تتبلور في حدة، وشدة، في تشعباتها اللا إرادية والكامنة في لاوعي الفنانة كردة فعل للوضع المرير المستجد فمن أحادية اللون إلى تعددية الألوان قصة شائكة، مما يساهم ، مع فواصل التوازن ، في إبراز قوة التعبير
ما تفضل, خاصة, إستخدام مرحلة الصورة بكتابات عصبية ونطاقات لونية صامتة وهادئة ، والتي تشكل تناقضات قوية مع الرسومات العصبية السوداء غالبًا. كل قوة ديما رعد مكرسة لاستكشاف تطور تفكيرها واستكشاف عمق مشاعرها. رؤى تتجاوز الواقع . اللوحات هي نوع من مسار مضخم لحدسها والذي يثير اهتمام المشاهد. صورها تتحدى منطقنا بسبب المشاعر التي تقترحها. في كل مكان يرتبط التعبير التصويري بتفسير المشاعر والحالات المزاجية. العمل متجذر بشكل أساسي في التقاليد التصويرية. إنه في نفس الوقت ثمرة لغة تعبيرية وصدى الاهتمامات والأبحاث التي تميز الفن المعاصر ، هذا الفن الذي دفعه محاولاته في أكثر الاتجاهات تنوعا، غارفاً من موارد اللاوعي مغدقاً من عواطفه الأصيلة الصادقة تاركاً بصمته التي لاتنسى.
بعدها انتقلنا إلى فلسطين والقضية الفلسطينية العزيزة جداً على قلب فنانتنا, عدنا بالزمن إلى ال2009 عندما اختارت اليونسكو وجامعة الدول العربية ذاك العام القدس, العاصمة المتنازع عليها بشدة, لتلقي الجائزة السنوية لمساهمتها التي لا مثيل لها في الثقافة العربية ، على الرغم من الاحتجاجات الإسرائيلية التي اعتبرت المدينة المقدسة هي ملكها والتي ألغت الإحتفالات مدعية إن هكذا أحداث تنتهك الاتفاق المؤقت بين إسرائيل والفلسطينيين ، والذي يتضمن فقرة تمنع السلطات الفلسطينية من تنظيم نشاطات في الأراضي الإسرائيلية. لكن لبنان شارك في تلك الاحتفالات بتنظيم أحداث فنية وادبية في جميع أنحاء البلاد شارك فيها فنانون وأدباء من اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين الفلسطينيين
وقد شاركت ديما بتنظيم إحداها. و تضمن هذا الحدث جدول أعمال “صنع في فلسطين”منها لوحات ومنحوتات لمشاهير الفنانين التشكيليين والقاء شعر. كما سلط الحدث الأضواء على تاريخ الفلسطينيين الحديث ونضالهم الوطني من أجل التحرّر والذي رواه فنانون يعيشون في الضفة الغربية وغزة المحتلة. لكن يومها منع اثنان من المتحدثين الرفيعي المستوى من مغادرة الأراضي المحتلة لحضور الأحداث و هما الأستاذ محمد عطا وهو أستاذ في التاريخ الإسلامي كان من المفترض أن يلقي كلمته ونظمي الجبة من جامعة بيرزيت في فلسطين الذي اضطر إلى الانسحاب.وقالت فنانتنا “لقد اعتقلوهم في اللحظة الأخيرة فقط ، وهذا عار لأنهما كانا من هؤلاء الذين أعطوا القدس ثقافتها”.لكنها شددت على أن الاحتفالات بذاك الحدث كان مصيرياً ،لأنه أظهر استمراريتهم في النضال الدائم. خاصة, أن تلك الاحتفالات المتزامنة هدفت إلى بناء جسر ثقافي بين الشعب الفلسطيني في المناطق وأولئك الذين يعيشون في الشتات
أخيرا تكلمنا عن تنظيمها لسمبوزيوم بعلبك والذي يعد ندوة دولية يجتمع فيها, لمدة ثلاثة أسابيع كاملة, فنانون من مختلف الجنسيات(لبنان ومصر والصين وسوريا وفرنسا) والخلفيات الثقافية, بهدف تقديم ورش عمل كبيرة للفنون الجميلة في النحت والرسم. إن هذه الورشة تشكل أعمالًا فنية واسعة النطاق تتكامل مع العناصر الحضارية للمدينة :الساحات و الحدائق والقلعة . وإنتاج هذه الأعمال الفنية يتوافق مع السياق الحضاري للمدينة و يعيد , في الوقت نفسه, تشكيل الهوية المعمارية لهذه المدينة التاريخية . كما يعترف بثقافتها وفنونها وفي الوقت نفسه ينشط السياحة في المنطقة و في لبنان بوجه خاص ليحتل أحد أهم المواقع التاريخية في العالم .و الأهم من كل ذلك أن الندوة الدولية “بعلبك” أطلقت أول معرض إلكتروني لها
ولم تخبيء ديما فرحها وفخرها بذاك الأنجاز لذلك اثنت على كل من ساهم في نجاح هذا المشروع : معالي وزير الخارجية السابق السيد #جبران_باسيل ومعالي وزير الزراعة السابق السيد #غازي_زعيتر ومعالي وزير الثقافة السابق الدكتور #غطاس_خوري وسعادة المحافظ #بشير_خضر واتحاد بلديات بعلبك وجمعية العمل البلدي والدكتور #طلال_المقدسي
والسيد نصري عثمان والمنتج التنفيذي السيدة #لميس_شقير والمخرج #ميشال_خطار والمهندس محمد كوثراني والفنانين المشاركين الفريق بأكمله والسيدة ريما الحسيني والأستاذ مروان حايك ومطعم اللقيس و شركة الشفاء و سي سويت و شركة البنيان والخطوط الجوية التونسية, شاكرةً إياهم تكراراً.
You have noted very interesting points! ps decent website.