في إطار قاتم وعلى خشبة مسرح مونو, إنطلقت مسرحية “بيك نيك ع خطوط التماس” للعظيم ريمون جبارة.
ومسرحية “بيك نيك ع خطوط التماس” هي واحدة من اربع مسرحيات أعيد إنتاجها تكريماً للراحل الكبير الذي بدأ مسيرته المسرحية كممثل في ستينيات القرن الماضي، عندما بدأت لجنة مهرجانات بعلبك الدولية تهتم بالمسرح اللبناني وتدعمه، عبر تأسيس معهد المسرح الحديث، وفرقة المسرح الحديث، اللذين التحق بهما. فلمع نجمه على خشبات المسارح خاصةً في سيتينيات وسبعينيات القرن الماضي فأصبح من أبرز الممثلين. بعدها خاض تجربة الكتابة والإخراج المسرحيين.
وبالعودة إلى مسرحية “بيك نيك ع خطوط التماس” التي أخرجتها جوليا قصار, بعدما قامت بتمثيل دور الأم في النسخة الأصلية, نجد ان الوضع في لبنان لم يتغير منذ ذلك الحين. صحيح ان المدفع صمت, لكن الناس مازالوا يعيشون”ع خط التماس”.
داخل المسرح, يشعر الحاضر أن المقاتلين يُجلسون الجمهور في مقاعدهم المقابلة للمسرح, تفصل بينهم أكياس الرمل المكدّسة على الخشبة والتي تشير إلى موقع عسكري خلال الحرب الأهلية اللبنانية, وكأن المواجهة بين الماضي والحاضر مستمرة مع سيطرة الماضي الأليم على حاضر مشتت.
صحيح ان نفحة كوميدية سادت على أجواء المسرحية بدءاً من عنوانها مرورا بنصها المتين، المتماسك، الواقعي، الهجائي، الطافح بالاشارات الى عبثية الحرب, والأدوار المتناغمة , لكنه يتناقض مع الديكور الاسود لمدخلي مبنيين متواجهين, يفصل بينهما باب قد يقود إلى المجهول.
تبدأ المسرحية بشاب مسلح (جوليان شعيا) وحيد بين أكياس الرمل, أغراضه مبعثرة, يختبيء وراء المتراس خوفاً من وقع أصوات الرصاص والانفجارات حوله. عيناه الحائرتان تشيران الى أنه مجرد ضحية حُمّلت سلاحا لا تعلم ماذا تفعل به. وحيدأ أمام الجبهة المقابلة, عندما يشعر بالملل يتسلى ب “نقيفته” المصنوعة من “دكّة كالسونه”ما أن تسمح له الظروف الأمنية. يُفاجأ بعدها بوالديه اللذين تركا “الضيعة” لأنهما إشتاقا لولدهما الوحيد, فقررا قضاء وقتٍ معه, وقد جلبا معهما طعام الغداء. الأب، موظف في البلدية, مصاب بجنون العظمة و يدعي أنه خيّال سابق في الجيش الفرنسي، قام بإداء دوره جوزيف أصاف المتمرّس في اللعبة المسرحية. شخصيته, شخصية تراجيدية تُخبئ في داخلها, الحب والخوف من النبز والرهبة والبطولة الوهمية ومعاناة الفقر والحرمان فتتستر وراء شخصيةٍ بطولية. أما الأم (مايا يمين) التي تعيش شخصية المرأة والزوجة التقليدية, لا هم لها سوى مدارات زوجها الذكر ولو على خطوط التماس. ولكنها ما تلبث ان تتحول الى امرأة اخرى عندما تغضب وتثور. أما في المشهد الأخير، تُبرز الوجه الرومنسي, الرقيق لها, حين تعترف بأنها حتى ولو كانت وجدت, يوماً من الايام, رجلاُ أفضل من زوجها لما تزوجته فتبدو مع جوزيف أصاف وكأنهما يودعان عالما على ظهر سفينة لكن كل من ناحية، كأن حبهما الكبير, الدفين لم يكن كافياً لكي يجمعهما لا في الحياة ولا بعد الموت. أما الابن (جوليان شعيا) والأسير(جلال الشعار) فقد شكّلا، صورة الشباب الضائع الذي إستُغِلّ لفقره ولحاجته الماسة للمال من القائد “الطنبوز” الانتهازي والفاسد, الذي باع الوطن للغريب على حساب دماء الأبرياء ودماء هولاء الشبان ومعاناتهم الحياتية. وهذا تأكيد على عبثية الحرب: فالحكاية هي بالواقع حكاية كل ما أسس لوصول المقاتلين الشابّين الى خطوط التماس المضجرة. ذلك ان عدم قراءة التاريخ بواقعية وجعل التاريخ مجرد قصة وهمية هزلية (يردّدها الاب), أفضى الى تفكّك البنية الوطنية (البناية المدعّمة بالسقالات) بين اللبنانيين.
صحيح أن ريمون جبارة استوحى مسرحيته من مسرحية آرابال “نزهة على الجبهة” الرافضة للعبثية، العنيفة والقاسية، لكنه رسخ طاقته الابداعية ضد السياسات الهشّة والسلطات المختلفة التي حكمت وتحكم هذه البلاد، فأشعلت حروبأً وانقسامات أهلية بلا جدوى, معبرا بحرية قد تصل إلى البذاءة أحياناً. ويبقى السؤال هل سيتعظ الناس يوما, ويفهمون أن لا جدوى من الحرب وان الرابح الوحيد فيها هو “الطنبوز ” واسياده الغربيين, اما الخاسر الكبير هوالشعب البسيط الذي يدفع ثمن أهواء وفساد زعمائه التنابيظ من دمائه.
Great weblog right here! Additionally your website so much up fast! What web host are you the use of? Can I am getting your associate hyperlink on your host? I wish my web site loaded up as quickly as yours lol