خطوة نحو وطن

4.8K

التقدم ليس قدراً, والتخلف ليس قدراً أيضاً. بل لكل منهما أسبابه لذا كفانا مقولة أن قدرنا , نحن العرب بشكل عام واللبنانيين بشكلٍ خاص , أن نعيش مأساة كارثية وصعوبات جمة وحياة باتت مستحيلة لا يعيشها أحد من البشر في كل أقطاب الأرض,بسبب “وضع الحق على الطليان” أو بالتحديد على الكيان الإسرائيلي. لا شك أن ذاك الكيان الغاصب يعتدي على سيادة بلدنا الصغير و بشكل يومي و بشتى الطرق أكان بإفتعال الحروب أو أقله بإختراقاته اليومية لأجوائنا أو لحدودنا الجنوبية.

لكن, في الحقيقة ” دود الخل منه وفيه” , ولو لم نكن منقسمين على أنفسنا لما إستطاع أحد إختراقنا ولو كنا نفهم ونعيش المواطنية كما يعيشها عدونا اللدود, لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. وقد وصلنا  إلى ما وصلناه, ليس فقط لأننا طائفيون والبلد يعد ١٨ طائفة وكلٌ ” يشد على مشده”, بل لأننا شعب لا يعتبر  بلده وطنًا بل محطة عبور أو بأفضل الأحوال سوقاً حرة.

صحيح أن الكيان الغاصب يعد طائفة أو دينأ واحدأ لكن مجتمعهم لطالما عانى من الطبقية والعرقية  ورغم ذلك, فهم يتمتعون ب (وطن) وذلك لسببين: أولاً دولة قانون وثانياً إقتصاد قوي: فدولة الكيان تُعتبر من ال٢٠ دولة الأوائل في المؤشرات فصادراتها في ٢٠٢٢ تخطت ١٦٥ ملياردولار بنمو تخطى ال ٤٠% ,بينما في عام ٢٠١٦, كانت صادراتها تبلغ ٩٦ مليار دولا, منها صادرات عسكرية بقيمة ١٣ مليار دولار ربعها ذهبت لدول  طبعت مع الكيان و٣٥ ملياردولار صادرات من المنتجات المتخصصة بالتقنيات الجديدة لإنتاج المياه. وإذاعدنا للكيان الصهيوني فهو يعد حوالي ٧ ملايين نسمة عدد العاملين منهم حوالي ال ٤ ملايين.

ناتجهم المحلي ٥٠٠ مليار دولار سنوياً بينما في ما يخصنا , ورغم كل ما لدينا من موارد: شواطئ تمتد على طول الساحل اللبناني, موارد مائية ضخمة (٥٠٠٠ ينبوع قد تم طمرأغلبه بحجة الإعمار و حوالي ١٦ نهر), أراض خصبة صالحة للزراعة, موارد بشرية عظيمة تستطيع العمل على تطوير القطاع الصناعي والصحي والسيلحي … الخ  وأخيراً,  إمكانية إيجاد موارد نفطية وغازية, ناهيك عن النفايات ,نعم النفايات التي تعتبر ثروة في دول العالم, نغرق تحت وطئة دين عام تخطى ال ..١ مليار دولار.

فما الذي يجعل هذا الكيان من المتفوقين في المنطقة؟ أهو الدعم الغربي له أو غطرسته او تخازل بعض دول المحيط أو, أو, أو,… لا شك أن كل ما ذكر له دور , لكن ما جعل دولة العدو تصل إلى هذا المستوى؟ هو أنها ” دولة قـــــــانـــــون”.  الكيــان ليس لديه دستور بل سلطات ثلاث: التشريعة والتنفذية والقضائية و المحكمة العليا في الكيان هي بمقام الدستور وهي صمام الأمان والمرجعية الأولى والأخيرة, ولهذا السبب, الشعب الإسرائيلي لا يسمح المساس بصلاحياتها : فعندما حاول  “نتنياهو” طرح مشروع قانون يتضمن نقطتين , الأولى , إلغاء صلاحية المحكمة العليا بالنظر في القرارات التشريعية والتنفذية وحتى إلغاء بعض منها والثاني, إعطاء السلطة التنفيذية حق تعيين القضاة وفيه تدخل مباشر في السلطة القضائية ومحاولة للسيطرة عليها مما يشجع الفساد ويبعد المستثمرين, فامت الدنيا وخرج الناس هناك في مظاهرات كادت أن تقلب الطاولة على ” نتنباهو” و حكومته .

لان المس بسلطة المحكمة العليا هو بمثابة المس بالديمقراطية والتنمية المستدامة بالنسبة ليهود الكيان .لان هناك علاقة ضيقة ما بين الديمقراطية والتنمية. فبدون الديمقراطية ليس هناك من إستثمرات أو إنتاج…  طبعاً فالإنسان لا يٌنتج ويبدع إلا إذا كان حراً( وليس متحرراً). وهذا سر نجاحهم وسيطرتهم ليس فقط على المنطقة بل على العالم!  وتلك المظاهرات , لم تكن تهدف التخريب بل المحافظة على مكتسبات الشعب أي الدولة وأهمها المحافطة على العقول بدل تهجيرها كما نفعل في بلدنا, أضف الى تخاذلنا في محاربة الفساد والزبائنية والمحاصصة. ولذلك , فإذا أردنا أن نبني وطناً, فلنبدأ بالتعرف على أعدائنا والتعلم منهم( فهم يعرفوننا جيداً ), ورحلة الإنقاذ والإصلاح تبدأ أولا بتحرير القضاء وإنتخاب مجلسه الأعلى مباشرة من الشعب وخلق مساواة بين السلطات التشريعية والتنفذية والقضائية (أكيد مع إلغاء الطائفية) ثم العمل على جعل وزارتي التربية والثقافة وزراتين سيادياتين لا ثالث لهما لان التربية والثقافة تبنيان الأوطان.