حب الناس والبحث عن حلم كبير; كلود سقسوق

حب الناس والبحث عن حلم كبير

سألته:” إذا نظرت في المرآة من ترى؟.” ضحك وأجابني:” أرى إنساناً بسيطاً لديه شغف وحلم كبير; حب الناس, هدفه إسعادهم وزرع الفرح فيهم. لذلك يسعى إلى إشراكهم بما وهبه إياه الله ألا وهو الفن وتحديداً الرسم والتصميم الڠرافيكي”.

في أول مسيرته  الدراسية والمهنية إختار التصميم الڠرافيكي رغم عشقه للرسم والفن التشكيلي. وذلك لأسباب مادية. فهو من الأشخاص الذين سلخوا من أرضهم بسبب الحرب الأهلية. في سنة 1976 ولأسباب طائيفية, نزح مع عائلته المؤلفة من والديه واخوته الثلاثة وجده, التي كانت تعتبر ميسورة, إلى ضبيه. وتركوا وراءهم أرضهم وبساتين الزيتون ومنزل كبير كانت تعشعش فيه الأحلام والأمال والحياة الهانئة, الهادئة, السعيدة. كل ما يذكره من تلك الرحلة الشاقة التي إستمرت لأشهر, هو العذاب والقهر والشقاء الذين إنطبعوا فيه. بعدها وبعد أن إستقروا في ضبيه, عايش تضحيات والديه الكبيرة; فقد عانوا الأمرين لتربيته وتعليمه مع إخوته الثلاث. لذلك إختار دراسة التصميم الڠرافيكي لكي يتوظف, جانياً المال, ويرد لهم جميلهم عليه, ما إضطره إلى إهمال حلمه لفترة, لكنه لم ينساه, فكان يرسم حين تسنح له مصاعب الحياة.

تعلقه بأهله وبلده و حب الناس

هذا جعله يرفض السفر إلى المملكة العربية السعودية وتسلم وظيفة مهمة عرضها عليه السيد داني ريشا صاحب شركة إنباكت للإعلانات لكن, أحياناً تنتج أشياء إيجابية عن ما هو سلبي; ففي تلك الفترة, كان يتردد على جامعته في الكسليك, حيث يلتقي أصدقاءه وأساتذته الذين تربطه بهم علاقة ود وصداقة فإكتشف أنه يهوى التعليم. وبتشجيع من صديقه جان كلود باسيل, تقدم بطلب الإنتساب إلى الجسم التعليمي في جامعة الروح القدس الكسليك وقُبل من السيد ايلي خوري صاحب شركة ساتشي وساتشي لبنان ورئيس فرع التصميم الڠرافيكي في جامعة الروح القدس الكسليك في تلك الفترة.

في ربيع سنة 2000 بدأ التعليم, شغف حياته, بينما لم يجد نفسه في العمل البيروكراتي الجماعي في شركات الإعلام. وللمرة الثانية أجبرته الحياة على الإنقطاع عن الرسم لأنه إنشغل كثيراً في التعليم فهو لم يكتف بممارسة هذا الشغف في جامعة الروح القدس الكسليك بل راح يعلم في جامعات مختلفة (الجامعة الأنطونية, الجامعة اللبنانية الكندية, وجامعتين في زحلة) .

العمل المضني في التعليم لم يبعده عن حلمه

توقف وتنهد وقال لي :”  أحياناً كنت أعلم أكثر من عشر ساعات في اليوم وشغفي للتعليم أصبح مع الوقت خوفي من الغد المجهول, فإبني كان يكبر ولم اشتر له مسكناً دائماً بعد وهذا جعلني أشعر أن مسؤولياتي كأب أكبر من حلمي بالفن” .

عندها سألته:” ما الذي جعلك تعود إلى الرسم والفن التشكيلي؟”.

أجابني:” نفسي التي اضعت على مفترق الحياة. هذا لا يعني اني أعتبر نفسي فناناً تشكيلياً بعد,لأني مازلت ابحث عن طريقي. وطريقي هذا تعيقه الأشواك والمطبات فهناك ماضٍ أليم ومشاكل دفينة وجروح عميقة تشدني إلى الخلف وتعيق تقدمي. لكني مثابر على البحث وبالأخص البحث عن “المرأة” عبر الفن التي أعتبرها كل شيء في الحياة; هي الجمال الذي لم أجده حتى في الطبيعة رغم كوني إبن أرض وهي الأم المثالية, هي الحرية والسلام, هي المناضلة وصاحبة قضية, هي الدعم وحجر الزاوية,هي الفن بكل ما تصنع. ” فإبتسمت قائلةً:” أنت أب فكيفلك أن تقول لم تجدها بعد؟

أجابني بغصة:” تعلمت من الحياة انه ليس كل ما يلتمع ذهباً, ولذلك مازلت أبحث”.