شهيدان عظيمان في تاريخ المسيحية
في القرن الثالث، كان الضابطان سركيس وباخوس يخدمان ضمن جيش الإمبراطور غاليريوس مكسيميانوس. ورغم منصبيهما، اعتنقا المسيحية سرًا. تلك الفترة كانت من أشد المراحل قسوة على المؤمنين، إذ كانت الاضطهادات الرومانية للديانة المسيحية تصل عقوبتها إلى الإعدام. افتُضح أمرهما سريعًا. وعندما اكتشف الجنود الرومان إيمانهما، تعرضا لأبشع أنواع التعذيب. الهدف كان إجبارهما على الجحود والتخلي عن المسيح وتقديم الذبائح للآلهة الرومانية. لكن الشهيدين رفضا ذلك بكل شجاعة. حتى تحت العذاب، لم يتراجعا. وماتا ثابتين على إيمانهما، ليُلقبا منذ ذلك الوقت بـ “الشهيدين العظيمين”، وأعظم شهداء الشرق لذلك بُنيت لهما الكنائس والاديرة ومن ضمنها دير في ضيعة البربارة.

دير للعبادة على اسميهما
لم يذهب استشهادهما سدى. بل تحولت قصتهما إلى مصدر إلهام للمؤمنين في الشرق والغرب. فبُنيت العديد من الكنائس والأديرة على اسميهما.
في العراق، وسوريا، ولبنان، وحتى في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، انتشرت كنائس مكرسة لهما. كما وصل أثرهما إلى الغرب، حيث شُيّدت معابد في روما والقسطنطينية. لكن المزار الأبرز ظل في مدينة الرصافة على نهر الفرات، داخل حدود سوريا الحالية. هناك، ظل مقامهما مقصدًا للحجاج لقرون طويلة.
وصول القصة إلى لبنان
لبنان كان دائمًا أرضًا تحتضن التنوع الروحي. ومع انتشار المسيحية، ترك سركيس وباخوس بصمة واضحة. ففي جبال لبنان ووديانه، انتشرت الأديرة والكنائس المكرسة لهما. وفي البربارة تحديدًا، كان هناك مكان مميز سيُعرف لاحقًا باسم دير مقنطرة.
بداية حكاية دير مقنطرة
في القرن الثالث عشر، وصل رهبان قادمون من بلاد ما بين النهرين إلى البربارة. اختاروا مشارف القرية، على تلة ترتفع بين زرقة السماء وخضرة الأرض. هناك شيدوا ديرًا مخصصًا للشهيدين سركيس وباخوس.
الدير عُرف باسم دير مقنطرة. تميز ببساطة هندسته: أربعون غرفة صغيرة، حجارة قديمة متفاوتة الحجم، شبابيك ذات فتحات ضيقة، وأبواب خشبية متواضعة. كان يعكس حياة الزهد التي عاشها الرهبان الأوائل.
طبيعة تحيط بالمكان
لم يكن دير مقنطرة مجرد جدران حجرية. فقد أحاطت به طبيعة ساحرة. غابة من أشجار البلوط كانت تشكل حصنًا طبيعيًا حوله. وكان يُقال إنه يحيط بالدير سبعون بئرًا، يستخدمها الرهبان لتأمين حاجاتهم اليومية من الماء.
لكن مع مرور الزمن، اندثرت معظم هذه الآبار. لم يبقَ منها شيء سوى آثار متفرقة تروي تاريخًا بعيدًا. أما من الدير نفسه، فلم ينجُ سوى غرفة واحدة منسية، ما زالت حتى اليوم شاهدة على زمن المجد الروحي.

رمزية الدير في الذاكرة الجماعية
رغم الخراب، بقي دير مقنطرة جزءًا من ذاكرة البربارة وأهلها. إنه رمز للإيمان والصمود، وحكاية تختصر تضحيات سركيس وباخوس. المكان لم يعد حيًا كما كان، لكنه يظل محاطًا بهالة من القداسة، وكأنه يروي سرًا عميقًا لكل من يزوره.
يقول كبار السن في القرية إن الهواء هناك مختلف. وإن أشجار البلوط تحرس المكان بظلها، وكأنها تتذكر أصوات الرهبان وصلواتهم.
قصة سركيس وباخوس، واستشهادهما في سبيل الإيمان، تلاقت مع تاريخ دير مقنطرة في لبنان. وبين تلال البربارة، ووسط الغابات، بقي الدير شاهدًا على عمق الروحانية في الشرق.
قد يكون اليوم مجرد أطلال، لكن معناه أكبر من حجارة قديمة. إنه رسالة عن الصمود، وعن قوة الإيمان التي لا تموت.
وهكذا، يظل دير مقنطرة علامة فارقة، لا في تاريخ البربارة فحسب، بل في مسيرة المسيحية المشرقية بأسرها

6 commentaires
But wanna comment that you have a very decent internet site, I love the layout it actually stands out.
I am thankful that I detected this website, precisely the right info that I was searching for! .
I like this blog so much, saved to fav.
Hi there, simply turned into aware of your blog via Google, and found that it is really informative. I’m gonna be careful for brussels. I will appreciate if you continue this in future. Numerous other folks can be benefited from your writing. Cheers!
Votre style est unique par rapport à de nombreuses autres personnes. Merci de publier lorsque vous en avez l’occasion. Je vais simplement mettre ceci en favori.
Thanks for providing such eye-opening content.